أزمة المحروقات: خطوة باتجاه رفع الدعم؟
وال-كتب ايلي الفرزلي في الاخبار
أزمة المحروقات صارت أزمة بنيوية. المعاناة من جرائها أكبر من أن تحتمل. الدعم لا يذهب إلى مستحقيه بل إلى جيوب المستوردين والتجار، الذين يشترون المازوت، تحديداً، بالسعر المدعوم ويبيعونه في السوق السوداء. لكن، هل يُعقل أن لا يتمكن أحد من ضبط التفلّت بالسوق؟ ذلك خلق اقتناعاً عند البعض بأن الأمر متعمد وهدفه تحويل رفع الدعم إلى أمر واقع. إن حصل ذلك، فسيؤدي إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية قاسية. لذلك، لا بديل من اللجوء إلى الخيارات المؤجلة، وأولها رفع دعم الكهرباء عن الشطور العليا وتولي الدولة مهمة استيراد السلع الاستراتيجية
مع أزمة بنيوية كالتي تعصف بلبنان، لم يعد ينفع الترقيع ولا التعمية على الحقائق. المطلوب حلول جذرية تنهي أزمة عنوانها الأساسي انهيار سعر صرف الليرة. تلك خلقت أزمات متلاحقة، لكن استيراد المواد الأساسية، ولا سيما المحروقات والقمح والدواء، إضافة إلى المواد الغذائية الأساسية، كان أول تجلياتها. كي لا ينهار المجتمع تحت وطأة الارتفاعات الجنونية للأسعار، كان الحل في تأمين مصرف لبنان للاعتمادات بالسعر الرسمي للدولار، بالنسبة إلى القمح والمحروقات والدواء، ولاحقاً بسعر المنصّة الإلكترونية بالنسبة إلى مواد أخرى. تلك الآلية لم تنتظم يوماً، بالرغم من أن أول التعاميم صدر في الأول من تشرين الأول. فتح الاعتمادات للمستوردين كان يتأخر باستمرار. آلية غير واضحة ينفذها مصرف لبنان، تترافق مع طمع لا محدود للتجار، أسفرت عن انقطاع متكرّر للمحروقات المشغّلة لمعامل الكهرباء، وانقطاع متكرر لمادتي المازوت والبنزين المخصصتين للمستهلكين.
المأساة لا تزال مستمرة. مع كل صباح أزمة جديدة تواجه الناس، ومنذ أيام اجتمعت المصائب معاً. أطفئت المعامل، فعمّت العتمة. ومع حرارة تخطت الأربعين درجة، لم يجد الناس ملاذهم بالمولدات، التي ذهبت بدورها إلى تقنين قاس، بسبب الانقطاع المستمر للمازوت. وفوق ذلك، انقطع البنزين، فتجمّعت طوابير السيارات أمام المحطات التي لم تقفل أبوابها.
ماذا بعد؟ وكيف يمكن لهذا الانهيار أن ينتهي؟ حتى اليوم، كل المؤشرات تشي بأن لا حلول في الأفق. الأزمة تستمر تجذراً، ما يفرض بالتالي اللجوء إلى خيارات أكثر جدية للحد من تأثيرها.
إذا كانت أزمة البنزين مرتبطة بتأخر فتح مصرف لبنان للاعتمادات (يتردد أنه كل ٤٠ يوماً يفتح اعتماداً للشركة المستوردة)، ما يُساهم في تأخير الشحنات والضغط على المحطات، فإن مسألة المازوت تأخذ أبعاداً مختلفة. كل سلسلة التوزيع من الشركات إلى الموزّعين إلى المحطات إلى بائعي المفرق يساهمون في تكريس السوق السوداء. لكن ما يعزز هذه السوق هو غياب الشفافية والرقابة. ليس صعباً أن تُعلن كل شركة كم تبيع يومياً من المازوت. وليس صعباً مراقبة طريقة التوزيع ووجهته. لكن مع ذلك، لا أرقام واضحة. في بيانات الأمن العام اليومية إشارة إلى «الإشراف على تسلّم شركات توزيع المحروقات مادة المازوت من منشأتي النفط في طرابلس والزهراني، ومواكبة توزيع الكمية المسلّمة في كل المناطق اللبنانية». ذلك لم يمنع استمرار البيع في السوق السوداء. والواقع أن السعر الفعلي للمازوت لم ينخفض، منذ أكثر من شهر، عن ٢٥ ألف ليرة، فيما السعر الرسمي يبلغ 16 ألفاً و200 ليرة. ربما حان الوقت لخلية أزمة جدية تضع حداً لحرمان الناس من الدعم الذي يساهم في استنزاف احتياطي المصرف المركزي ونقله إلى جيوب قلة من المنتفعين.
عدم ضبط التجاوزات بشكل جدي وفعّال، يؤشر، بالنسبة إلى مصادر معنية، إلى أن الأزمة منسّقة بهدف الوصول إلى تحرير تلقائي وسهل للسعر، بحيث لا يزيد، حتى مع رفع الدعم، على السعر المتداول في السوق، والذي اعتاده الناس. التركيز على المازوت حصراً يعود إلى كون البنزين لا يمكن بيعه خارج المحطات، وبالتالي احتمال تعديل سعره صعب، أضف إلى أنه لا يمكن تخزينه لفترات طويلة. كما أن رفع الدعم سيعني عملياً زيادة سعر الصفيحة إلى نحو ٧٠ ألف ليرة. وهو أمر لا يمكن للسلطة تحمّل عواقبه.
في حالة المازوت، الأمر مختلف. وما يزيد من الشكوك إلى قرار برفع الدعم هو لجوء تنظيمات سياسية ووجهاء مناطقيين إلى تخزين كميات كبيرة من المازوت، بالإضافة إلى توجيهات سياسية للبلديات ببناء خزانات لتخزين المازوت. أضف إلى أنه سبق لوزير الاقتصاد أن طرح الأمر رسمياً، قبل أن يقفل الملف مؤقتاً.
هذا لا يعني أن آلية الدعم الحالية لا تحتاج إلى تصحيح، لكن التركيز على إلغاء الدعم بالمطلق يقود إلى اختلالات اجتماعية واقتصادية كلفتها أكبر من كلفة الدعم، وخاصة أن اتباع آلية لدعم الناس مباشرة إن عبر القسائم أو الدعم المالي، يقود إلى حصر الدعم بالفئة الأكثر عوزاً، في حين أن الأثر الاجتماعي المرتجى من الدعم لا يتحقق من دون دعم الطبقة الوسطى، القادرة على تحفيز الاقتصاد، كي لا يتحول الدعم إلى دفع لأموال لا وظيفة اقتصادية لها. هذا لا يعني ترك الأغنياء يتنعّمون بالمازوت المدعوم لتسخين برك السباحة في قصورهم شتاءً، أو لتشغيل يخوتهم. إذا لم يكن ممكناً، اقتصادياً، المواءمة بين حجب الدعم عن المقتدرين وبين توجيه الدعم لمستحقّيه من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فربما حان الوقت كيف يبدأ رفع الدعم عن الأغنياء في القطاعات التي يسهل ضبطها. منذ عشرين عاماً، تطرح مسألة رفع دعم الكهرباء عن الشطور العليا، لكن الحجة دائماً جاهزة: لا رفع للتعرفة قبل وصول التغذية إلى ٢٤ على ٢٤. وأكثر من ذلك، وربطاً بالوضع الراهن لا بأي أسباب عقائدية، ما الذي يبرر عدم إقدام الدولة على استيراد المواد الرئيسية، ولا سيما المحروقات والقمح، مباشرة، بدلاً من ترك المهمة لتجار يستغلون الدعم لتعزيز أرباحهم؟
أزمة المحروقات صارت أزمة بنيوية. المعاناة من جرائها أكبر من أن تحتمل. الدعم لا يذهب إلى مستحقيه بل إلى جيوب المستوردين والتجار، الذين يشترون المازوت، تحديداً، بالسعر المدعوم ويبيعونه في السوق السوداء. لكن، هل يُعقل أن لا يتمكن أحد من ضبط التفلّت بالسوق؟ ذلك خلق اقتناعاً عند البعض بأن الأمر متعمد وهدفه تحويل رفع الدعم إلى أمر واقع. إن حصل ذلك، فسيؤدي إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية قاسية. لذلك، لا بديل من اللجوء إلى الخيارات المؤجلة، وأولها رفع دعم الكهرباء عن الشطور العليا وتولي الدولة مهمة استيراد السلع الاستراتيجية
مع أزمة بنيوية كالتي تعصف بلبنان، لم يعد ينفع الترقيع ولا التعمية على الحقائق. المطلوب حلول جذرية تنهي أزمة عنوانها الأساسي انهيار سعر صرف الليرة. تلك خلقت أزمات متلاحقة، لكن استيراد المواد الأساسية، ولا سيما المحروقات والقمح والدواء، إضافة إلى المواد الغذائية الأساسية، كان أول تجلياتها. كي لا ينهار المجتمع تحت وطأة الارتفاعات الجنونية للأسعار، كان الحل في تأمين مصرف لبنان للاعتمادات بالسعر الرسمي للدولار، بالنسبة إلى القمح والمحروقات والدواء، ولاحقاً بسعر المنصّة الإلكترونية بالنسبة إلى مواد أخرى. تلك الآلية لم تنتظم يوماً، بالرغم من أن أول التعاميم صدر في الأول من تشرين الأول. فتح الاعتمادات للمستوردين كان يتأخر باستمرار. آلية غير واضحة ينفذها مصرف لبنان، تترافق مع طمع لا محدود للتجار، أسفرت عن انقطاع متكرّر للمحروقات المشغّلة لمعامل الكهرباء، وانقطاع متكرر لمادتي المازوت والبنزين المخصصتين للمستهلكين.
المأساة لا تزال مستمرة. مع كل صباح أزمة جديدة تواجه الناس، ومنذ أيام اجتمعت المصائب معاً. أطفئت المعامل، فعمّت العتمة. ومع حرارة تخطت الأربعين درجة، لم يجد الناس ملاذهم بالمولدات، التي ذهبت بدورها إلى تقنين قاس، بسبب الانقطاع المستمر للمازوت. وفوق ذلك، انقطع البنزين، فتجمّعت طوابير السيارات أمام المحطات التي لم تقفل أبوابها.
ماذا بعد؟ وكيف يمكن لهذا الانهيار أن ينتهي؟ حتى اليوم، كل المؤشرات تشي بأن لا حلول في الأفق. الأزمة تستمر تجذراً، ما يفرض بالتالي اللجوء إلى خيارات أكثر جدية للحد من تأثيرها.
إذا كانت أزمة البنزين مرتبطة بتأخر فتح مصرف لبنان للاعتمادات (يتردد أنه كل ٤٠ يوماً يفتح اعتماداً للشركة المستوردة)، ما يُساهم في تأخير الشحنات والضغط على المحطات، فإن مسألة المازوت تأخذ أبعاداً مختلفة. كل سلسلة التوزيع من الشركات إلى الموزّعين إلى المحطات إلى بائعي المفرق يساهمون في تكريس السوق السوداء. لكن ما يعزز هذه السوق هو غياب الشفافية والرقابة. ليس صعباً أن تُعلن كل شركة كم تبيع يومياً من المازوت. وليس صعباً مراقبة طريقة التوزيع ووجهته. لكن مع ذلك، لا أرقام واضحة. في بيانات الأمن العام اليومية إشارة إلى «الإشراف على تسلّم شركات توزيع المحروقات مادة المازوت من منشأتي النفط في طرابلس والزهراني، ومواكبة توزيع الكمية المسلّمة في كل المناطق اللبنانية». ذلك لم يمنع استمرار البيع في السوق السوداء. والواقع أن السعر الفعلي للمازوت لم ينخفض، منذ أكثر من شهر، عن ٢٥ ألف ليرة، فيما السعر الرسمي يبلغ 16 ألفاً و200 ليرة. ربما حان الوقت لخلية أزمة جدية تضع حداً لحرمان الناس من الدعم الذي يساهم في استنزاف احتياطي المصرف المركزي ونقله إلى جيوب قلة من المنتفعين.
عدم ضبط التجاوزات بشكل جدي وفعّال، يؤشر، بالنسبة إلى مصادر معنية، إلى أن الأزمة منسّقة بهدف الوصول إلى تحرير تلقائي وسهل للسعر، بحيث لا يزيد، حتى مع رفع الدعم، على السعر المتداول في السوق، والذي اعتاده الناس. التركيز على المازوت حصراً يعود إلى كون البنزين لا يمكن بيعه خارج المحطات، وبالتالي احتمال تعديل سعره صعب، أضف إلى أنه لا يمكن تخزينه لفترات طويلة. كما أن رفع الدعم سيعني عملياً زيادة سعر الصفيحة إلى نحو ٧٠ ألف ليرة. وهو أمر لا يمكن للسلطة تحمّل عواقبه.
في حالة المازوت، الأمر مختلف. وما يزيد من الشكوك إلى قرار برفع الدعم هو لجوء تنظيمات سياسية ووجهاء مناطقيين إلى تخزين كميات كبيرة من المازوت، بالإضافة إلى توجيهات سياسية للبلديات ببناء خزانات لتخزين المازوت. أضف إلى أنه سبق لوزير الاقتصاد أن طرح الأمر رسمياً، قبل أن يقفل الملف مؤقتاً.
هذا لا يعني أن آلية الدعم الحالية لا تحتاج إلى تصحيح، لكن التركيز على إلغاء الدعم بالمطلق يقود إلى اختلالات اجتماعية واقتصادية كلفتها أكبر من كلفة الدعم، وخاصة أن اتباع آلية لدعم الناس مباشرة إن عبر القسائم أو الدعم المالي، يقود إلى حصر الدعم بالفئة الأكثر عوزاً، في حين أن الأثر الاجتماعي المرتجى من الدعم لا يتحقق من دون دعم الطبقة الوسطى، القادرة على تحفيز الاقتصاد، كي لا يتحول الدعم إلى دفع لأموال لا وظيفة اقتصادية لها. هذا لا يعني ترك الأغنياء يتنعّمون بالمازوت المدعوم لتسخين برك السباحة في قصورهم شتاءً، أو لتشغيل يخوتهم. إذا لم يكن ممكناً، اقتصادياً، المواءمة بين حجب الدعم عن المقتدرين وبين توجيه الدعم لمستحقّيه من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فربما حان الوقت كيف يبدأ رفع الدعم عن الأغنياء في القطاعات التي يسهل ضبطها. منذ عشرين عاماً، تطرح مسألة رفع دعم الكهرباء عن الشطور العليا، لكن الحجة دائماً جاهزة: لا رفع للتعرفة قبل وصول التغذية إلى ٢٤ على ٢٤. وأكثر من ذلك، وربطاً بالوضع الراهن لا بأي أسباب عقائدية، ما الذي يبرر عدم إقدام الدولة على استيراد المواد الرئيسية، ولا سيما المحروقات والقمح، مباشرة، بدلاً من ترك المهمة لتجار يستغلون الدعم لتعزيز أرباحهم؟