صدمة الصين القادمة
زعمنا أن سياسات الصين الاقتصادية والخارجية تتحدى "قوانين" الاقتصاد والقوانين الجيوسياسية، وحذرنا من أن هذا الوضع من غير الممكن أن يدوم. ومنذ ذلك الحين، تأكد تقييمنا وتعمقت مخاوفنا.
حتى وقت قريب، كانت الصين قادرة على سلوك مسار فريد إلى التنمية، نظرا لسيطرة الحكومة القوية على الاقتصاد (والمجتمع بشكل أكثر عموما). لكن تلك الأيام ولت وانتهت. فالآن تسلك الديون الداخلية مسارا متصاعدا إلى مستويات غير مستدامة، في حين تجاوزت مستويات الاستثمار المحلي نقطة العائدات المتناقصة وبدأت تنحرف نحو المنطقة السلبية.
علاوة على ذلك، تخطت استراتيجية الصين المتمثلة في تعزيز الصادرات، وتشجيع "الشركات الوطنية الكبرى"، ومصادرة التكنولوجيا الأجنبية، العتبة التي قد يتسامح معها الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. كما بدأت مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج تُظهِر كل علامات "فرط التوسع الإمبراطوري". وليس الأمر أن الإقراض في إطار مبادرة الحزام والطريق تتجاوز كثيرا قدرة الحكومات المشاركة على الاقتراض فحسب، بل إن شروط هذه القروض أصبحت مرهقة على نحو متزايد ــ بل ربوية في حقيقة الأمر ــ كما لاحظ ريكاردو هوسمان من جامعة هارفارد مؤخرا.
في شهر سبتمبر/أيلول، رأينا بعض الانقطاع في أداء الصين الاقتصادي على أنه حتمي. فحتى لو لم تكن الصين تتجه نحو أزمة تامة، فكنا نعتقد على نحو شبه مؤكد أنها ستشهد تركيبة من تباطؤ النمو السريع وتراجع سعر الصرف بشكل حاد.
ومنذ ذلك الحين أصبح ذلك التشخيص أكثر ترجيحا. ومع تراجع النمو الاقتصادي العالمي والصادرات، أصبح اقتصاد الصين على مسار يقوده إلى المزيد من التباطؤ مقارنة بالنمو المسجل في الربع الرابع من عام 2018 بنحو 6.4%. وهذا المستوى بعيد تماما عن المتوسط الذي تجاوز 10% طوال الفترة من ثمانينيات القرن العشرين حتى وقت قريب.
في الاستجابة للتباطؤ العالمي الحالي، قررت الحكومة الصينية تخفيف القيود المفروضة على الاقتراض الخاص والعام. لكن هذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم مشاكل الديون وفرط الاستثمار في الصين. ولكن كما يقول المثل الصيني الشهير فإن هذا السلوك أشبه بشرب السم لإرواء الظمأ.
SUBSCRIBE NOW
For a limited time only, get unlimited access to On Point, The Big Picture, and the PS Archive, plus our annual magazine, for less than $2 a week.
SUBSCRIBE
وحتى في غياب هذه التطورات على جانب الاقتصاد الكلي، فإن تحدي الصين للنتائج الراسخة في اقتصاديات التنمية لم يكن ليدوم إلى الأبد. وقد أثبت خبراء الاقتصاد دوجلاس نورث، ودارون أسيموجلو، وجيمس روبنسون أن التنمية الاقتصادية الطويلة الأمد تميل إلى الاعتماد على مؤسسات الدولة القوية والأنظمة السياسية المفتوحة، لأنها ضرورية لتعزيز المنافسة، وثقة المستثمر، والديناميكية، والإبداع.
(الرسم البياني)
في الرسم البياني أعلاه، يمثل السهم المنحدر الصاعد العلاقة الإيجابية بين التنمية السياسية والاقتصادية. وبوصفها الاستثناء الملحوظ لعلاقة قوية، فقد مثلت الصين مشكلة لهذه النظرية. ففي ظل نظامها السياسي المغلق، لا ينبغي لها أن تكون قريبة حتى من المستوى الذي بلغته من الثراء.
في تسعينيات القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، راهن الغرب على أن الصين ستتوقف عن كونها استثناء وتغير اتجاهها نحو سلوك طبيعي من خلال تبني مؤسسات سياسية أكثر انفتاحا وديمقراطية (كما يوضح السهم الأزرق المنقط). ومن ناحية عملية، تُرجِم ذلك الرهان إلى سياسات غربية سهلت صعود الصين، وقرارات اتخذتها شركات أميركية بنقل القدرة التصنيعية إلى هناك.
ولكن في ظل زعامة شي جين بينج، أصبحت الصين أقل انفتاحا (كما يبين السهم الأحمر). وكما يوضح نيكولاس لاردي من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في كتاب جديد، تحول اقتصاد الصين أيضا بعيدا عن نموذج النمو المدفوع بالقطاع الخاص عائدا إلى رأسمالية الدولة.
بعبارة أخرى، تتسبب تغيرات سياسية واقتصادية جهازية في جعل الصين أكثر استثنائية، فتزيد بالتالي من احتمالات أن تأتي عودتها إلى الحالة الطبيعية في هيئة تدهور حاد في الأداء الاقتصادي (السهم الأسود المنقط المنحدر للأسفل). لا أحد يستطيع أن يجزم على وجه الدقة متى قد يحدث هذا التصحيح. ولكن كلما تحدت الصين قواعد التنمية الاقتصادية، يصبح التصحيح أكثر ترجيحا.
من المؤسف أن أي انقطاع في الأداء الاقتصادي في الصين لابد أن يخلف تأثيرا زلزاليا على بقية العالَم، لأنه سيؤدي إلى إضعاف الرنمينبي بدرجة كبيرة. والواقع أن الصين ذاتها ربما تتعمد خفض قيمة عملتها من أجل الترويج لصادراتها وتخفيف حدة السقوط الحتمي في الطلب المحلي، وخاصة العنصر الاستثماري.
أن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يخلف تأثيرا أشبه بالتسونامي على العملات العالمية. فسوف ترد دول آسيوية كبرى أخرى بخفض قيمة عملاتها للحفاظ على قدرتها التنافسية، وسوف تشهد أوروبا والولايات المتحدة انكماشا حادا مع تزايد قوة عملاتها.
على سبيل المقارنة التاريخية، لنتأمل هنا حقيقة مفادها أن قيمة الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني في ثلاثينيات القرن العشرين انخفضت بنحو 40% على مدار أربع سنوات، في حين ظلت العملتان الفرنسية والألمانية على استقرارهما في عموم الأمر (قياسا على الذهب). ومثل الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 1929، قبل الكساد العظيم مباشرة، تمثل الاقتصادات الآسيوية الرئيسية اليوم، والتي قد تتأثر بصدمة العملة الصينية، نحو 30% من التجارة العالمية.
ما يزيد الطين بلة أن التجارة أكثر أهمية للاقتصاد العالمي اليوم مما كانت عليه حالها قبل تسعين عاما. ففي عام 2017، شكلت الصادرات من البضائع نحو 20% إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة بنحو 8% فقط في عام 1929. وهذا يعني أن انخفاض قيمة العملات الآسيوية من شأنه أن يخلف تأثيرا عالميا أكبر من ذلك الناجم عن انخفاض قيمة الدولار والإسترليني في ثلاثينيات القرن العشرين. وعلى هذا فإن كارثة خفض قيمة العملات تنافسيا في أوائل الثلاثينيات ــ في واحدة من أكثر الفترات الاقتصادية قتامة في التاريخ المسجل ــ ربما تتضاءل تماما إلى جانب صدمة الصين.
نقلاً عن the project syndicate
حتى وقت قريب، كانت الصين قادرة على سلوك مسار فريد إلى التنمية، نظرا لسيطرة الحكومة القوية على الاقتصاد (والمجتمع بشكل أكثر عموما). لكن تلك الأيام ولت وانتهت. فالآن تسلك الديون الداخلية مسارا متصاعدا إلى مستويات غير مستدامة، في حين تجاوزت مستويات الاستثمار المحلي نقطة العائدات المتناقصة وبدأت تنحرف نحو المنطقة السلبية.
علاوة على ذلك، تخطت استراتيجية الصين المتمثلة في تعزيز الصادرات، وتشجيع "الشركات الوطنية الكبرى"، ومصادرة التكنولوجيا الأجنبية، العتبة التي قد يتسامح معها الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. كما بدأت مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج تُظهِر كل علامات "فرط التوسع الإمبراطوري". وليس الأمر أن الإقراض في إطار مبادرة الحزام والطريق تتجاوز كثيرا قدرة الحكومات المشاركة على الاقتراض فحسب، بل إن شروط هذه القروض أصبحت مرهقة على نحو متزايد ــ بل ربوية في حقيقة الأمر ــ كما لاحظ ريكاردو هوسمان من جامعة هارفارد مؤخرا.
في شهر سبتمبر/أيلول، رأينا بعض الانقطاع في أداء الصين الاقتصادي على أنه حتمي. فحتى لو لم تكن الصين تتجه نحو أزمة تامة، فكنا نعتقد على نحو شبه مؤكد أنها ستشهد تركيبة من تباطؤ النمو السريع وتراجع سعر الصرف بشكل حاد.
ومنذ ذلك الحين أصبح ذلك التشخيص أكثر ترجيحا. ومع تراجع النمو الاقتصادي العالمي والصادرات، أصبح اقتصاد الصين على مسار يقوده إلى المزيد من التباطؤ مقارنة بالنمو المسجل في الربع الرابع من عام 2018 بنحو 6.4%. وهذا المستوى بعيد تماما عن المتوسط الذي تجاوز 10% طوال الفترة من ثمانينيات القرن العشرين حتى وقت قريب.
في الاستجابة للتباطؤ العالمي الحالي، قررت الحكومة الصينية تخفيف القيود المفروضة على الاقتراض الخاص والعام. لكن هذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم مشاكل الديون وفرط الاستثمار في الصين. ولكن كما يقول المثل الصيني الشهير فإن هذا السلوك أشبه بشرب السم لإرواء الظمأ.
SUBSCRIBE NOW
For a limited time only, get unlimited access to On Point, The Big Picture, and the PS Archive, plus our annual magazine, for less than $2 a week.
SUBSCRIBE
وحتى في غياب هذه التطورات على جانب الاقتصاد الكلي، فإن تحدي الصين للنتائج الراسخة في اقتصاديات التنمية لم يكن ليدوم إلى الأبد. وقد أثبت خبراء الاقتصاد دوجلاس نورث، ودارون أسيموجلو، وجيمس روبنسون أن التنمية الاقتصادية الطويلة الأمد تميل إلى الاعتماد على مؤسسات الدولة القوية والأنظمة السياسية المفتوحة، لأنها ضرورية لتعزيز المنافسة، وثقة المستثمر، والديناميكية، والإبداع.
(الرسم البياني)
في الرسم البياني أعلاه، يمثل السهم المنحدر الصاعد العلاقة الإيجابية بين التنمية السياسية والاقتصادية. وبوصفها الاستثناء الملحوظ لعلاقة قوية، فقد مثلت الصين مشكلة لهذه النظرية. ففي ظل نظامها السياسي المغلق، لا ينبغي لها أن تكون قريبة حتى من المستوى الذي بلغته من الثراء.
في تسعينيات القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، راهن الغرب على أن الصين ستتوقف عن كونها استثناء وتغير اتجاهها نحو سلوك طبيعي من خلال تبني مؤسسات سياسية أكثر انفتاحا وديمقراطية (كما يوضح السهم الأزرق المنقط). ومن ناحية عملية، تُرجِم ذلك الرهان إلى سياسات غربية سهلت صعود الصين، وقرارات اتخذتها شركات أميركية بنقل القدرة التصنيعية إلى هناك.
ولكن في ظل زعامة شي جين بينج، أصبحت الصين أقل انفتاحا (كما يبين السهم الأحمر). وكما يوضح نيكولاس لاردي من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في كتاب جديد، تحول اقتصاد الصين أيضا بعيدا عن نموذج النمو المدفوع بالقطاع الخاص عائدا إلى رأسمالية الدولة.
بعبارة أخرى، تتسبب تغيرات سياسية واقتصادية جهازية في جعل الصين أكثر استثنائية، فتزيد بالتالي من احتمالات أن تأتي عودتها إلى الحالة الطبيعية في هيئة تدهور حاد في الأداء الاقتصادي (السهم الأسود المنقط المنحدر للأسفل). لا أحد يستطيع أن يجزم على وجه الدقة متى قد يحدث هذا التصحيح. ولكن كلما تحدت الصين قواعد التنمية الاقتصادية، يصبح التصحيح أكثر ترجيحا.
من المؤسف أن أي انقطاع في الأداء الاقتصادي في الصين لابد أن يخلف تأثيرا زلزاليا على بقية العالَم، لأنه سيؤدي إلى إضعاف الرنمينبي بدرجة كبيرة. والواقع أن الصين ذاتها ربما تتعمد خفض قيمة عملتها من أجل الترويج لصادراتها وتخفيف حدة السقوط الحتمي في الطلب المحلي، وخاصة العنصر الاستثماري.
أن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يخلف تأثيرا أشبه بالتسونامي على العملات العالمية. فسوف ترد دول آسيوية كبرى أخرى بخفض قيمة عملاتها للحفاظ على قدرتها التنافسية، وسوف تشهد أوروبا والولايات المتحدة انكماشا حادا مع تزايد قوة عملاتها.
على سبيل المقارنة التاريخية، لنتأمل هنا حقيقة مفادها أن قيمة الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني في ثلاثينيات القرن العشرين انخفضت بنحو 40% على مدار أربع سنوات، في حين ظلت العملتان الفرنسية والألمانية على استقرارهما في عموم الأمر (قياسا على الذهب). ومثل الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 1929، قبل الكساد العظيم مباشرة، تمثل الاقتصادات الآسيوية الرئيسية اليوم، والتي قد تتأثر بصدمة العملة الصينية، نحو 30% من التجارة العالمية.
ما يزيد الطين بلة أن التجارة أكثر أهمية للاقتصاد العالمي اليوم مما كانت عليه حالها قبل تسعين عاما. ففي عام 2017، شكلت الصادرات من البضائع نحو 20% إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة بنحو 8% فقط في عام 1929. وهذا يعني أن انخفاض قيمة العملات الآسيوية من شأنه أن يخلف تأثيرا عالميا أكبر من ذلك الناجم عن انخفاض قيمة الدولار والإسترليني في ثلاثينيات القرن العشرين. وعلى هذا فإن كارثة خفض قيمة العملات تنافسيا في أوائل الثلاثينيات ــ في واحدة من أكثر الفترات الاقتصادية قتامة في التاريخ المسجل ــ ربما تتضاءل تماما إلى جانب صدمة الصين.
نقلاً عن the project syndicate