بغداد تضيق على حزب العمال الكردستاني بانتظار مقابل غير مضمون من أنقرة

وال-ما تأمل الحكومة العراقية في الحصول عليه من تركيا في مقابل التعاون معها في مواجهتها مع حزب العمال الكردستاني ما يزال في طور الوعود ولا توجد أي ضمانات لتحقيقه، ما يجعل بغداد أمام خطر التورّط المجاني في صراع لا يخلو من محاذير سياسية وأخلاقية وحتى أمنية.


جاء قرار القضاء العراقي بحل أحزاب سياسية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني بمثابة تأكيد جديد من بغداد لمضيها في التعاون مع أنقرة في مواجهتها المفتوحة مع الحزب تحقيقا لمصالح أمنية واقتصادية مشتركة، لكنّه مثل في نظر قوى وشخصيات سياسية عراقية جائزة غير مستحقة لتركيا على توسيع تدخلها العسكري في مناطق شمال العراق واحتلالها أجزاء من أراضيه بذريعة ملاحقة مقاتلي حزب العمال.

وتأمل الحكومة العراقية من وراء تجاوبها مع مطالب تركيا بشأن الحزب، وغضّها الطرف عن توسيع الجيش التركي لنطاق عمليته العسكرية في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق في الدفع بمسار التعاون الاقتصادي مع تركيا والذي شهد في الآونة الأخيرة تطورات ملحوظة أبرزها التوافق على إنجاز مشروع طريق التنمية المشترك الذي يُنتظر أن يربط أقصى جنوب العراق عند النقطة المطلة على مياه الخليج بالأراضي التركية.

كما تأمل أيضا في حلحلة مشكلة المياه الناتجة عن احتجاز تركيا لكميات متزايدة من مياه نهري دجلة والفرات.

لكنّ التأخر في حلّ هذه المشكلة وعدم الحصول على مكاسب ملموسة من الجانب التركي، يذكي المزيد من الانتقادات لمسار التقارب العراقي مع تركيا، حيث يقول المنتقدون إنّ بغداد بصدد تقديم تنازلات كبيرة لتركيا يرتقي بعضها إلى مرتبة التفريط في السيادة سعيا لتحصيل مكاسب تعتبر حقوقا أصلية يفترض أن يتم استرجاعها بالطرق القانونية وليس بعقد صفقات غير مضمونة.
وبادرت السلطات العراقية في مارس الماضي بتصنيف حزب العمال الكردستاني تنظيما محظورا في البلاد، ودعّم مجلس الوزراء في يوليو الماضي هذا القرار بإصداره تعليمات إلى مختلف الهيئات الرسمية للدولة باعتماد صفة “التنظيم المحظور” في خطابها الرسمي بشأن الحزب من مراسلات وغيرها.

وتدعّم التوجّه نحو التضييق على حزب العمّال الكردستاني وأنشطته داخل الأراضي العراقي بقرار قضائي أعلن الثلاثاء عن صدوره وقضى بحلّ ثلاثة أحزاب سياسية مرتبطة بالحزب وإغلاق مقراتها في البلاد.

وصدر القرار من الهيئة القضائية للانتخابات في المجلس القضاء الأعلى، بطلب من دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حيث شمل الحل كلّا من حزب الحرية والديمقراطية الإزيدية وحزب جبهة النضال الإيزيدي وحزب حرية مجتمع كردستان “تفكري أزادي”.

وجاء في بيان للهيئة أنّ دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية طلبت حل الأحزاب المذكورة وإغلاق مقراتها ومصادرة أموالها وموجوداتها بناء على شكوى مستشارية الأمن القومي حول ارتباطها بحزب العمال الكردستاني “وهو ما يشكل خطرا على الأمن القومي العراقي”، بسحب نصّ الشكوى.

واستند القرار وفقا لذات البيان إلى “التحقيقات الجارية من قبل دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية وتدقيقها لوائح تلك الأحزاب، وبناء على ما جاء بالمعلومات الواردة من جهاز المخابرات الوطني العراقي، وبعد الاطلاع على كتاب مكتب رئيس الوزراء والسكرتير الشخصي للقائد العام للقوات المسلحة والمتضمن صحة المعلومات الواردة بشأن تلك الأحزاب”.

ووصفت حركة حرية المجتمع الكردستاني قرار الهيئة القضائية العراقية ضدّها بأنّه جائر ومسيس وليس قانونيا وجاء بسبب الضغط التركي.

وقال سلام عبدالله الرئيس المشترك للحركة التي هي واحدة من الأحزاب الثلاثة التي قررت الهيئة القضائية للانتخابات العراقية حلّها لوسائل إعلام محلية “سيكون لنا موقف من ذلك القرار الذي نعتقد أنه جائر لأننا حزب مجاز وحصلنا على إجازة عمل في العراق”.

الحكومة العراقية تأمل في حلحلة مشكلة المياه الناتجة عن احتجاز تركيا لكميات متزايدة من مياه نهري دجلة والفرات

وأضاف “تركيا تعدّنا قوة مقربة من حزب العمّال الكردستاني في حين أننا حزب يعمل في إطار إقليم كردستان والعراق وموقفنا مؤيد لوحدة الأراضي العراقية، ولهذا فإن القرار جاء بالتأكيد نتيجة الضغوط التركية”.

وأكّد عبدالله اتّباع الطرق القانونية في مواجهة القرار، موضحّا بالقول “لم نقرر بعد هل سنشتكي لدى المحكمة الاتحادية أم لدى محكمة أخرى، إلا أننا سنتبع الطرق القانونية وسنعمل لاسترداد حقوقنا”.

ولا يعني اشتداد الضغوط القضائية والسياسية والعسكرية على حزب العمال والحركات المرتبطة به في العراق أن اجتثاثه من البلد بات وشيكا، حيث ما يزال يمتلك العديد من أوراق الصمود من بينها ما يحظى به من دعم من قبل قوى بعضها يمتلك نفوذا كبيرا داخل أجهزة الدولة العراقية بما في ذلك حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نفسها.

وما يزال الحزب يسجل حضورا قويا في قضاء سنجار غربي مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بالشمال العراقي رغم الضغوط التركية والمحاولات العراقية لإخراجه من القضاء، مستندا في ذلك على تحالفه مع فصائل شيعية مسلّحة تقاسمه الحضور في سنجار وترفض ترك مكانها للقوات النظامية العراقية من جيش وشرطة وبيشمركة كردية.

وتعتبر قوى على صلة بالحزب أن سنجار منطقة إدارة ذاتية تابعة لها. وقد استنكرت تلك القوى قرار القضاء العراقي بحل الأحزاب الثلاثة ودعت السلطات العراقية إلى التراجع الفوري عن القرار.

وجاء ذلك في بيان صدر عن الإدارة الذاتية لسنجار وقال محرروه “إن مجلس القضاء العراقي أصدر قرارا يقضي بحل أحزاب تمثل الشعب الكردي والمجتمع الإيزيدي في العراق”.

أنقرة تحاول استثمار المزاج الحكومي العراقي الذي بات ملائما لها أكثر من أي وقت مضى وتدفع بعمليتها العسكرية في الشمال العراقي إلى أقصى جهدها

وأضاف البيان أنّ “القرار هو أحد نتائج زيارة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق وتوقيعه على ست وعشرين اتفاقية مع الحكومة العراقية. وقرار مجلس القضاء العراقي جاء ضمن بنود هذه الاتفاقيات والتي تخص إرادة المجتمع الإيزيدي مما يعني أن القرار هو قرار للدولة التركية”.

وأشار إلى أنّ “حزب الحرية والديمقراطية الإيزيدي كان يعمل وفق القانون العراقي، وعقْده لعشرات المؤتمرات هو أكبر دليل على مشروعية الحزب. وما منَعه من دخول البرلمان العراقي رغم فوزه هو الدولة التركية بالتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني”.